جرس إنذار .....
صفحة 1 من اصل 1
جرس إنذار .....
\بقلم د. حسن نافعة ٣١/ ٧/ ٢٠١١
لم يكن يوم الجمعة الماضى «يوماً آخر من أيام مصر»، كما كتبت متمنياً فى «المصرى اليوم»، لكنه كان «يوما من أيام السلفيين». ولأن مصر كانت وستظل دائما أكبر من أى فصيل أو تيار، مهما بلغت قوته، فمن الخطأ البالغ تصور أن ما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى يعبر عن روح مصر الحقيقية كما تجلت على أروع ما يكون إبان ثورة ٢٥ يناير العظيمة.
لقد كان بوسع كل من اعتاد الذهاب إلى ميدان التحرير فى الآونة الأخيرة أن يقارن بين ما جرى فى هذا المكان الرمز يوم الجمعة الماضى وما كان يجرى فيه إبان تلك الأيام الرائعة، وأن يلحظ بنفسه حجم الهوة التى بدأت تفصل بين ما كان وما هو قائم، بين «مصر الثورة» و«مصر السلفية». كانت «مصر الثورة» ترفع فى تلك الأيام الخوالى شعارات: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب والجيش إيد واحدة»، وكان بوسع المواطنين المسيحيين أن يقيموا قداسهم فى قلب الميدان، تحت حراسة ورعاية وتشجيع المواطنين المسلمين، وأن يتسابقوا فيما بينهم لصب المياه التى يتوضأ بها مواطنون ****ون قبل أن يقيموا صلواتهم جنبا إلى جنب فى قلب الميدان، أما «مصر السلفية» فترفع اليوم شعارات من قبيل: «إسلامية إسلامية» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله» و«المشير أميرا»، وفى الوقت نفسه يرفض شبابها المهيمنون على الميدان أن يؤدى المسيحيون قداسهم فيه!
لقد كانت مصر العميقة، وستظل بإذن الله، شديدة الحرص على أن يبقى «الميدان» رمزا للوحدة بين كل الفئات والطوائف والتيارات السياسية والفكرية دون تمييز، لذا لن تستطيع أبدا أن ترى نفسها فى مرآة ذلك اليوم، فقد ارتكب التيار السلفى فى ذلك اليوم خطأ مزدوجاً، أظن أنه سيكلفه ثمنا سياسيا كبيرا فى المرحلة المقبلة. الأول: حين نقض عهدا كان قد قطعه بعدم رفع شعارات غير توافقية، والثانى: حين أصر على استعراض عضلاته والظهور بمظهر القوة السياسية الأكبر والقادرة على الحشد. والغريب أنه لم يأبه بعواقب احتمال الدخول فى صدام وتناقض مع كل الفصائل السياسية الأخرى، بما فى ذلك جماعة الإخوان ال****ين، وبقية فصائل التيار الإسلامى، التى انحازت إليه وتماشت معه فى البداية، ولم تعترض أو تحتج على سلوكه وتصرفاته ورفضت الانسحاب من الميدان حتى بعد أن ظهرت تجاوزاته ومخالفته ما تم الاتفاق عليه.
ولكى ندرك طبيعة ودلالات ما حدث علينا أن نتذكر جملة من الحقائق أهمها: ١- أن التيارات السلفية كانت هى التى بادرت بتنظيم هذه التظاهرة الكبرى تحت شعار «تطبيق الشريعة» و«دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة». ٢- أن قوى سياسية عديدة أدركت على الفور خطورة تنظيم مظاهرة تحت تلك الشعارات المثيرة للجدل والانقسامات، خصوصاً أن قوى أخرى هددت بالرد عليها بتظاهرة مماثلة تحت شعارات مختلفة أو نقيضة، ومن ثم دعت إلى حوار للخروج من هذا المأزق وتحويلها إلى تظاهرة يشارك فيها الجميع، وتؤكد على المطالب المشتركة وتعقد تحت شعار «لم الشمل ووحدة الصف».
٣- أن التيار السلفى أدرك أبعاد المشكلة، وشارك فى الاجتماعات التى عقدت للبحث عن مخرج، ووقع على بيان مشترك، والتزم بالعمل تحت سقف المطالب المشتركة، وعدم رفع أى شعارات مثيرة للجدل أو الانقسامات، غير أنه أصر فى الوقت نفسه على أن يطلق عليها جمعة «الإرادة الشعبية»، أو شيئاً من هذا القبيل. ولأن بعض القوى السياسية رأت فى هذا الإصرار دليلا على سوء النية والرغبة فى إثارة قضايا خلافية، بالولوج إليها من مدخل «الانتخابات أولا»، ورفض فكرة «المواد فوق الدستورية»، فقد ظلت بعض الأمور معلقة حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء الماضى. ولأننى كنت أحد الذين يحاولون متابعة هذا الحوار دون المشاركة فيه مباشرة، فقد كان تقديرى، حين سُئلت عن رأيى فيما تم التوصل إليه، أن مشاركة الجميع فى تظاهرة هذه الجمعة تعد أمرا مهما حتى لو تمت تحت شعار «الإرادة الشعبية»، المهم الالتزام بعدم رفع شعارات خلافية صريحة فى الميدان.
قبيل صلاة الجمعة توجهت إلى الميدان بصحبة صديق شخصى كان قد اقترح علىّ إلقاء كلمة من فوق منصة أو اثنتين من المنصات المنتشرة فى الميدان، ورغم ترحيب الكثيرين ممن تعرفوا علينا بوجودنا فى الميدان، إلا أننى أعترف بأن المشهد هناك بدا غير مريح وغير مطمئن. فمن ناحية، بدت سيطرة السلفيين التنظيمية على مداخل الميدان شبه مطلقة، وامتلأ الميدان، من ناحية أخرى، بلافتات رفعت عليها شعارات سلفية، وكأننا فى مؤتمر ينظمه السلفيون وحدهم وليس فى مؤتمر يشارك فيه السلفيون مع بقية القوى الوطنية. كانت تدوى من حولنا هتافات: «إسلامية إسلامية» و«الله أكبر» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله» و«الإسلام قادم» و«سامع سامع يا مشير.. إحنا جينالك فى التحرير»، وانتشرت لافتات ضخمة كتب على بعضها «لا إله إلا الله»، وكتب على بعضها الآخر عبارات تدين العلمانية والمدنية والمبادئ فوق الدستورية وتطالب بتحكيم القرآن ونصرة الإسلام... إلخ.
تجولت قليلا فى الميدان لكننى لم أصعد إلى أى منصة، بعكس ما حدث يوم ٨/٧ حيث صعدت - بناء على طلب الجمهور الذى قابلنى - على منصة إحدى الجماعات السلفية لأوجه من فوقها كلمة حرصت على أن تكون بمثابة نداء لرص الصفوف والتوحد لتحقيق أهداف الثورة. ثم اكتشفت، عقب خروجى من الميدان، وجود عدد لا نهائى من الحافلات التى تحمل أرقاما من خارج محافظتى القاهرة والجيزة، ورغم أنه سبق لى أن التقيت من قبل فى ميدان التحرير بتجمعات كبيرة من السلفيين، وتناقشت معهم مطولا، حيث بدا لى معظمهم ودودين جدا ومتفتحين للغاية، إلا أن المشهد بدا لى هذه المرة مختلفا من زاويتين، الأولى: أن الحشد هذه المرة طال القواعد الشعبية ولم يقتصر على النخبة، ومن هنا يظهر اختلاف المناخ من حيث الشكل والمضمون وأسلوب الخطاب والقدرة على التعامل مع «الآخر»، والثانية: أنه لم يكن حشداً طوعياً أو اختيارياً يعتمد على عنصر الإقناع وإنما بدا حشداً «تنظيمياً» لعب فيه الدين من ناحية، والمال من ناحية أخرى، دورا مركزيا وعكس رغبة واضحة فى استعراض القوة وإثبات الوجود. ورغم وجود مظاهر للتعاون والتنسيق الميدانى بين التيارات الإسلامية المختلفة، إلا أنه كان من الواضح أن بعضها، خاصة «جماعة الإخوان ال****ين»، بدا حريصا على تمييز نفسه ومواقفه عن السلفيين. وتلك كلها أمور يتعين أخذها فى الاعتبار عند بحث السيناريوهات المتوقعة لتطور الأوضاع السياسية فى مصر فى المرحلة المقبلة.
لن ألوم البعض إن أحس ببعض القلق مما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى، غير أننى أدرك فى الوقت نفسه أن أسباب القلق كثيرة ومتباينة، وأن بعضها ربما يكون واقعيا ومشروعا، لكن بعضها الآخر قد يكون مبالغا فيه أو قائما على غير أساس، لذا أعتقد أن الأمر يجب أن يبحث بجدية، دون تهوين أو تهويل. قد يجد البعض فيما جرى دليلا على قوة التيارات الإسلامية وقدرتها على الحشد وعلى التنسيق معا فى اللحظات الحساسة، وهذا صحيح، لكن هل تصلح هذه الحجة دليلا على وجود خطر يهدد الجهود الرامية إلى تأسيس نظام ديمقراطى حقيقى؟ الواقع أن وجود هذا الخطر من عدمه يتوقف فى المقام الأول على تصرفات القوى الأخرى، التى تدعى أنها أكثر ديمقراطية، وطريقتها فى تشخيص وإدراك طبيعة هذا الخطر، وقدرتها على تشكيل جبهة قادرة على تأسيس وحماية النظام الديمقراطى. وفى تقديرى أنه ليس من الإنصاف لوم الأطراف التى نجحت فى الأخذ بأسباب القوة وإنما يتعين على الأطراف الأخرى أن تبحث فى الأسباب التى أدت إلى ضعفها وأن تعمل على علاج مواطن الخلل عندها.
غير أن هناك أسبابا أخرى تثير القلق عند التيار الإسلامى، خاصة عند التيار السلفى، يتعين الانتباه لها والعمل على شرحها للناس، فقد بنت هذه التيارات قدرتها على الحشد على فرضين، الأول: أن هوية مصر الإسلامية فى خطر، مما يبرر استنفار الشعب وحثه على النهوض لمواجهته، والثانى: أن القوات المسلحة تواجه حملة منظمة للتشكيك فى دورها فى المرحلة الراهنة، وبالتالى تحتاج إلى من يدعمها فى مواجهة هؤلاء المشككين. والواقع أن أياً من هذين الفرضين لا يقوم على أى أساس من الصحة، فلا الهوية الإسلامية لمصر مهددة بأى صورة من الصور، لأن مقوماتها راسخة تماما وتضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، ولا القوات المسلحة المصرية أو قيادتها فى حاجة إلى دعم أو تأييد، لأن دورها مقدر من الجميع، بل على العكس تبدو دعوة البعض إلى تنصيب المشير طنطاوى أميرا لل****ين نوعا من النفاق الرخيص لا يحتاجه الرجل.
أعتقد أن البعض سيعمل على التهويل كثيرا من خطورة ما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى، وسيسعى جاهدا لتوظيفه لإظهار تيارات الإسلام السياسى كأنها جميعا تيارات معادية بطبيعتها للديمقراطية، وتمارس أساليب شديدة الانتهازية تجعل من الصعب الركون إليها أو الوثوق فيها، وسيطالب من ثم بالعمل على تكوين جبهة سياسية ديمقراطية مضادة، غير أننى أعتقد أنه من الخطورة بمكان تعميق حالة الاستقطاب السياسى التى بدأت تبرز بين تيارات الإسلام السياسى والتيارات الأخرى، وأنه سيكون من الأفضل العمل على بناء إطار تنظيمى جديد يسعى لمصالحة حقيقية بين القوى صاحبة المصلحة فى التغيير وطرح آليات محددة لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية بطريقة تسمح: أ- بإزاحة ما تبقى من رموز وسياسات النظام القديم. ب- بوضع جدول زمنى محدد بكل أنواع الانتخابات المطلوبة لبناء مؤسسات النظام السياسى الجديد على نحو يسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة لها دون مخاطر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لم يكن يوم الجمعة الماضى «يوماً آخر من أيام مصر»، كما كتبت متمنياً فى «المصرى اليوم»، لكنه كان «يوما من أيام السلفيين». ولأن مصر كانت وستظل دائما أكبر من أى فصيل أو تيار، مهما بلغت قوته، فمن الخطأ البالغ تصور أن ما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى يعبر عن روح مصر الحقيقية كما تجلت على أروع ما يكون إبان ثورة ٢٥ يناير العظيمة.
لقد كان بوسع كل من اعتاد الذهاب إلى ميدان التحرير فى الآونة الأخيرة أن يقارن بين ما جرى فى هذا المكان الرمز يوم الجمعة الماضى وما كان يجرى فيه إبان تلك الأيام الرائعة، وأن يلحظ بنفسه حجم الهوة التى بدأت تفصل بين ما كان وما هو قائم، بين «مصر الثورة» و«مصر السلفية». كانت «مصر الثورة» ترفع فى تلك الأيام الخوالى شعارات: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب والجيش إيد واحدة»، وكان بوسع المواطنين المسيحيين أن يقيموا قداسهم فى قلب الميدان، تحت حراسة ورعاية وتشجيع المواطنين المسلمين، وأن يتسابقوا فيما بينهم لصب المياه التى يتوضأ بها مواطنون ****ون قبل أن يقيموا صلواتهم جنبا إلى جنب فى قلب الميدان، أما «مصر السلفية» فترفع اليوم شعارات من قبيل: «إسلامية إسلامية» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله» و«المشير أميرا»، وفى الوقت نفسه يرفض شبابها المهيمنون على الميدان أن يؤدى المسيحيون قداسهم فيه!
لقد كانت مصر العميقة، وستظل بإذن الله، شديدة الحرص على أن يبقى «الميدان» رمزا للوحدة بين كل الفئات والطوائف والتيارات السياسية والفكرية دون تمييز، لذا لن تستطيع أبدا أن ترى نفسها فى مرآة ذلك اليوم، فقد ارتكب التيار السلفى فى ذلك اليوم خطأ مزدوجاً، أظن أنه سيكلفه ثمنا سياسيا كبيرا فى المرحلة المقبلة. الأول: حين نقض عهدا كان قد قطعه بعدم رفع شعارات غير توافقية، والثانى: حين أصر على استعراض عضلاته والظهور بمظهر القوة السياسية الأكبر والقادرة على الحشد. والغريب أنه لم يأبه بعواقب احتمال الدخول فى صدام وتناقض مع كل الفصائل السياسية الأخرى، بما فى ذلك جماعة الإخوان ال****ين، وبقية فصائل التيار الإسلامى، التى انحازت إليه وتماشت معه فى البداية، ولم تعترض أو تحتج على سلوكه وتصرفاته ورفضت الانسحاب من الميدان حتى بعد أن ظهرت تجاوزاته ومخالفته ما تم الاتفاق عليه.
ولكى ندرك طبيعة ودلالات ما حدث علينا أن نتذكر جملة من الحقائق أهمها: ١- أن التيارات السلفية كانت هى التى بادرت بتنظيم هذه التظاهرة الكبرى تحت شعار «تطبيق الشريعة» و«دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة». ٢- أن قوى سياسية عديدة أدركت على الفور خطورة تنظيم مظاهرة تحت تلك الشعارات المثيرة للجدل والانقسامات، خصوصاً أن قوى أخرى هددت بالرد عليها بتظاهرة مماثلة تحت شعارات مختلفة أو نقيضة، ومن ثم دعت إلى حوار للخروج من هذا المأزق وتحويلها إلى تظاهرة يشارك فيها الجميع، وتؤكد على المطالب المشتركة وتعقد تحت شعار «لم الشمل ووحدة الصف».
٣- أن التيار السلفى أدرك أبعاد المشكلة، وشارك فى الاجتماعات التى عقدت للبحث عن مخرج، ووقع على بيان مشترك، والتزم بالعمل تحت سقف المطالب المشتركة، وعدم رفع أى شعارات مثيرة للجدل أو الانقسامات، غير أنه أصر فى الوقت نفسه على أن يطلق عليها جمعة «الإرادة الشعبية»، أو شيئاً من هذا القبيل. ولأن بعض القوى السياسية رأت فى هذا الإصرار دليلا على سوء النية والرغبة فى إثارة قضايا خلافية، بالولوج إليها من مدخل «الانتخابات أولا»، ورفض فكرة «المواد فوق الدستورية»، فقد ظلت بعض الأمور معلقة حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء الماضى. ولأننى كنت أحد الذين يحاولون متابعة هذا الحوار دون المشاركة فيه مباشرة، فقد كان تقديرى، حين سُئلت عن رأيى فيما تم التوصل إليه، أن مشاركة الجميع فى تظاهرة هذه الجمعة تعد أمرا مهما حتى لو تمت تحت شعار «الإرادة الشعبية»، المهم الالتزام بعدم رفع شعارات خلافية صريحة فى الميدان.
قبيل صلاة الجمعة توجهت إلى الميدان بصحبة صديق شخصى كان قد اقترح علىّ إلقاء كلمة من فوق منصة أو اثنتين من المنصات المنتشرة فى الميدان، ورغم ترحيب الكثيرين ممن تعرفوا علينا بوجودنا فى الميدان، إلا أننى أعترف بأن المشهد هناك بدا غير مريح وغير مطمئن. فمن ناحية، بدت سيطرة السلفيين التنظيمية على مداخل الميدان شبه مطلقة، وامتلأ الميدان، من ناحية أخرى، بلافتات رفعت عليها شعارات سلفية، وكأننا فى مؤتمر ينظمه السلفيون وحدهم وليس فى مؤتمر يشارك فيه السلفيون مع بقية القوى الوطنية. كانت تدوى من حولنا هتافات: «إسلامية إسلامية» و«الله أكبر» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله» و«الإسلام قادم» و«سامع سامع يا مشير.. إحنا جينالك فى التحرير»، وانتشرت لافتات ضخمة كتب على بعضها «لا إله إلا الله»، وكتب على بعضها الآخر عبارات تدين العلمانية والمدنية والمبادئ فوق الدستورية وتطالب بتحكيم القرآن ونصرة الإسلام... إلخ.
تجولت قليلا فى الميدان لكننى لم أصعد إلى أى منصة، بعكس ما حدث يوم ٨/٧ حيث صعدت - بناء على طلب الجمهور الذى قابلنى - على منصة إحدى الجماعات السلفية لأوجه من فوقها كلمة حرصت على أن تكون بمثابة نداء لرص الصفوف والتوحد لتحقيق أهداف الثورة. ثم اكتشفت، عقب خروجى من الميدان، وجود عدد لا نهائى من الحافلات التى تحمل أرقاما من خارج محافظتى القاهرة والجيزة، ورغم أنه سبق لى أن التقيت من قبل فى ميدان التحرير بتجمعات كبيرة من السلفيين، وتناقشت معهم مطولا، حيث بدا لى معظمهم ودودين جدا ومتفتحين للغاية، إلا أن المشهد بدا لى هذه المرة مختلفا من زاويتين، الأولى: أن الحشد هذه المرة طال القواعد الشعبية ولم يقتصر على النخبة، ومن هنا يظهر اختلاف المناخ من حيث الشكل والمضمون وأسلوب الخطاب والقدرة على التعامل مع «الآخر»، والثانية: أنه لم يكن حشداً طوعياً أو اختيارياً يعتمد على عنصر الإقناع وإنما بدا حشداً «تنظيمياً» لعب فيه الدين من ناحية، والمال من ناحية أخرى، دورا مركزيا وعكس رغبة واضحة فى استعراض القوة وإثبات الوجود. ورغم وجود مظاهر للتعاون والتنسيق الميدانى بين التيارات الإسلامية المختلفة، إلا أنه كان من الواضح أن بعضها، خاصة «جماعة الإخوان ال****ين»، بدا حريصا على تمييز نفسه ومواقفه عن السلفيين. وتلك كلها أمور يتعين أخذها فى الاعتبار عند بحث السيناريوهات المتوقعة لتطور الأوضاع السياسية فى مصر فى المرحلة المقبلة.
لن ألوم البعض إن أحس ببعض القلق مما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى، غير أننى أدرك فى الوقت نفسه أن أسباب القلق كثيرة ومتباينة، وأن بعضها ربما يكون واقعيا ومشروعا، لكن بعضها الآخر قد يكون مبالغا فيه أو قائما على غير أساس، لذا أعتقد أن الأمر يجب أن يبحث بجدية، دون تهوين أو تهويل. قد يجد البعض فيما جرى دليلا على قوة التيارات الإسلامية وقدرتها على الحشد وعلى التنسيق معا فى اللحظات الحساسة، وهذا صحيح، لكن هل تصلح هذه الحجة دليلا على وجود خطر يهدد الجهود الرامية إلى تأسيس نظام ديمقراطى حقيقى؟ الواقع أن وجود هذا الخطر من عدمه يتوقف فى المقام الأول على تصرفات القوى الأخرى، التى تدعى أنها أكثر ديمقراطية، وطريقتها فى تشخيص وإدراك طبيعة هذا الخطر، وقدرتها على تشكيل جبهة قادرة على تأسيس وحماية النظام الديمقراطى. وفى تقديرى أنه ليس من الإنصاف لوم الأطراف التى نجحت فى الأخذ بأسباب القوة وإنما يتعين على الأطراف الأخرى أن تبحث فى الأسباب التى أدت إلى ضعفها وأن تعمل على علاج مواطن الخلل عندها.
غير أن هناك أسبابا أخرى تثير القلق عند التيار الإسلامى، خاصة عند التيار السلفى، يتعين الانتباه لها والعمل على شرحها للناس، فقد بنت هذه التيارات قدرتها على الحشد على فرضين، الأول: أن هوية مصر الإسلامية فى خطر، مما يبرر استنفار الشعب وحثه على النهوض لمواجهته، والثانى: أن القوات المسلحة تواجه حملة منظمة للتشكيك فى دورها فى المرحلة الراهنة، وبالتالى تحتاج إلى من يدعمها فى مواجهة هؤلاء المشككين. والواقع أن أياً من هذين الفرضين لا يقوم على أى أساس من الصحة، فلا الهوية الإسلامية لمصر مهددة بأى صورة من الصور، لأن مقوماتها راسخة تماما وتضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، ولا القوات المسلحة المصرية أو قيادتها فى حاجة إلى دعم أو تأييد، لأن دورها مقدر من الجميع، بل على العكس تبدو دعوة البعض إلى تنصيب المشير طنطاوى أميرا لل****ين نوعا من النفاق الرخيص لا يحتاجه الرجل.
أعتقد أن البعض سيعمل على التهويل كثيرا من خطورة ما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى، وسيسعى جاهدا لتوظيفه لإظهار تيارات الإسلام السياسى كأنها جميعا تيارات معادية بطبيعتها للديمقراطية، وتمارس أساليب شديدة الانتهازية تجعل من الصعب الركون إليها أو الوثوق فيها، وسيطالب من ثم بالعمل على تكوين جبهة سياسية ديمقراطية مضادة، غير أننى أعتقد أنه من الخطورة بمكان تعميق حالة الاستقطاب السياسى التى بدأت تبرز بين تيارات الإسلام السياسى والتيارات الأخرى، وأنه سيكون من الأفضل العمل على بناء إطار تنظيمى جديد يسعى لمصالحة حقيقية بين القوى صاحبة المصلحة فى التغيير وطرح آليات محددة لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية بطريقة تسمح: أ- بإزاحة ما تبقى من رموز وسياسات النظام القديم. ب- بوضع جدول زمنى محدد بكل أنواع الانتخابات المطلوبة لبناء مؤسسات النظام السياسى الجديد على نحو يسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة لها دون مخاطر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
katty- نائبة المدير
-
العمر : 26
الموقع : eygpt
تاريخ التسجيل : 03/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى